التضخم والمملكة العربية السعودية

ما هو التضخم؟ التضخم هو زيادة مستمرة في الأسعار. وهو مرتبط بالعرض والطلب. وغالباً ما نسمع العبارة التالية: " التضخم يعني أن يكون لدينا الكثير من المال لكنه لا يشتري إلا القليل القليل من السلع". ولنتخيل مبدئياً، أنّنا نعيش في عالم لا يوجد فيه سوى التمر والمال. فإذا كان موسم التمر سيئاً، سيصبح التمر نادراً ونتوقع بالتالي أن يرتفع سعره إذ سيكون هناك مال كثير (طلب عال) لا يشتري إلا القليل القليل من التمر (عرض منخفض). وبالمقابل، إذا كان الموسم جيداً فإننا نتوقّع أن تهبط أسعار التمر، إذ إن الباعة سيلجؤون إلى تخفيض سعره لأنهم سيكونون بحاجة إلى تصريف مخزونهم منه. ويرتبط التضخم في المملكة العربية السعودية جزئياً بالطلب العالي والعرض المحدود في قطاعات معينة كالبناء والنقل. لكن مشاكل التضخم في المملكة لم تعد في الحقيقة مرتبطة بقضايا العرض.كما يمكن أن يحدث التضخم في الاقتصاد نتيجة لوجود كميات كبيرة من المال المتداول في الاقتصاد، إما لأن الحكومة تطبع كميات هائلة من الأوراق النقدية، وإما لأن المال يضخ كله في اقتصاد البلاد. وإذا فاضت كميات المال عن القدرة الاستيعابية للاقتصاد، فإن ذلك سيؤدّي إلى حدوث التضّخم أيضا. وتشهد المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر تحديداً ضخ كميات كبيرة من المال في اقتصاد البلاد، أكثر مما كان عليه الوضع قبل سنتين من الآن، وهو ما يتسبب في حدوث التضخم. لكن التضخم لا ينجم ببساطة عن مشاكل العرض والطلب. ويمكن أن يكون التضخم مستورداً أيضاً أي نتيجة لأسباب خارجية. فقيمة الريال السعودي مربوطة بالدولار الأمريكي، مما يعني أن قيمة الواردات التي تدفع بالدولار الأمريكي يمكن أن تزيد أو تنقص تبعاً لقوّة أو ضعف الدولار. وإذا ضعف الدولار مقابل اليورو، فإن ذلك سيؤثّر أيضاً على قيمة الواردات التي تدفع باليورو أو بالعملات التي تنخفض قيمتها مقابل الدولار. إلا أن هذا النوع من التضخم المستورد ليس المشكلة الوحيدة التي يمكن أن تؤدّي إلى حدوث التضخم في المملكة العربية السعودية أو أيّ بلاد أخرى. فهناك عامل آخر أيضاً يتمثل في الأسعار العالمية لسلع معينة كالنفط والحديد والفولاذ والألومنيوم والنحاس والزنك، والتي يستخدمها كل شخص منا إذ إن لها استعمالات متعدّدة. وتشهد أسعار هذه السلع حالياً ارتفاعاً عالمياً لأن إقبال الصين عليها هائل جداً. وهذا الإقبال الهائل على تلك السلع لا يرفع سعرها فقط وإنما يرفع تكاليف الشحن البحري أيضاً. وتعد الصين حالياً ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم بعد الولايات المتّحدة. كما أن الصين تستهلك حوالي 25% من إنتاج الألومنيوم العالمي، و38% من الطلب العالمي على الفولاذ والحديد والفحم الحجري، وما يقرب من 44% من الطلب العالمي على الإسمنت. ولهذا فإن قيمة واردات المملكة العربية السعودية من تلك السلع سترتفع لأن أسعارها ارتفعت. كما تشهد الأسعار العالمية لمختلف السلع الغذائية ارتفاعاً أيضاً. فقد وصل سعر القمح مؤخرا إلى أعلى مستوياته منذ عشر سنوات، وارتفع سعر الشعير أيضاً. وقد أدى ارتفاع سعر الشعير والأنواع الأخرى من العلف الحيواني إلى زيادة في أسعار الحليب في الكثير من دول العالم، بما فيها عدد من دول الشرق الأوسط، كما حصل مؤخراً في الأردن ولبنان. وأخيراً، فإن تكهنات الناس بشأن التضّخم في أيّ بلد يفتقر إلى شفافية في المعلومات ستزيد من حدة التضخم أيضاً. فإذا توقع الناس حدوث مزيد من التضخم، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة تلقائية في الأسعار تحسّباً لأي ارتفاع مستقبلي فيها. فالحيرة تولد مزيداً من الحيرة.كيف نقيس التضخم؟