كيف يمكن خفض معدل التضخم؟

إن تخفيض معدل التضّخم ليس مهمّة سهلة خلال فترة تواجد فائض من السيولة. ولن يكون الاعتدال في الإنفاق الحكومي، خصوصاً إذا كان مثل هذا الإنفاق محفزاً للنمو الاقتصادي، تصرفاً صحيحاً على الدوام. ويمكن ضبط أسعار بعض المواد الغذائية التي تستهلك على نحو واسع، كالخضار واللحوم والأرز، وخصوصا في شهر رمضان. كما أن ضبط أسعار الإيجارات لا يؤدي إلى نتيجة حقاً، إذ إن تجربة دبي وأبو ظبي في تطبيق مثل هذه الإجراءات لا تدعو لكثير من التفاؤل. وما يحصل في الحقيقة هو أن ضبط أسعار الإيجارات قد يكون عاملاً مساعداً على زيادة التضخم. فأسعار الإيجارات ترتفع في المملكة العربية السعودية ليس فقط لأن هناك مزيداً من الطلب المحلي (من قبل المواطنين السعوديين) عليها، وإنما أيضاً بسبب نقص في المساكن الرخيصة ولأن الإيجارات لم ترتفع بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي. كما أن الارتفاع في أسعار الإيجارات لأغراض تجارية لا يعود فقط لزيادة الطلب عليها في بعض المناطق، وإنما أيضاً بسبب غلاء أسعار الأراضي في عدد من أنحاء المملكة والذي يتسبب بزيادة أسعار العقارات بشكل عام. ويحتاج تأمين مساكن رخيصة لوقت طويل، رغم أن النقص الحاصل في عمال البناء يدفع الأسعار للارتفاع، خصوصاً وأنه لا توجد حلول سريعة. إن مشكلة نقص العمالة هي مشكلة تعاني منها المنطقة برمّتها وتعمل بالتالي على معالجتها، لكنها تشكل أيضاً تحدياً لخطط السعودة. فقد أصبح توظيف مهندس موقع أو مهندس معماري أو مقاول في المملكة العربية السعودية مهمّة صعبة جداً. ونظراً للزيادة التي تشهدها أسعار السلع عالمياً، أدى ارتفاع أسعار السلع المستوردة كالفولاذ والألومنيوم والنحاس والنيكل إلى زيادة في تكاليف عمليات البناء المحليّة. ولن تؤثر الزيادة في المواد الغذائية المستوردة على قضية تضّخم أسعار تلك المواد، كأسعار المعكرونة والخبز والحليب التي تشهد ارتفاعاً عالمياً، لكن معالجة بعض التقلبات في أسواق المواد الغذائية المحليّة يمكن أن تساعد إلى حد ما على التخفيف من حدة التضخم الذي يطال المواد الغذائية. ويمكن معالجة قضية زيادة الطلب على المواد الغذائية خلال شهر رمضان على سبيل المثال، بتأمين كميات أكبر من تلك السلع ومراقبة أسعار الجملة. وسيؤدي الاعتدال في القروض المصرفية، من خلال قيام البنوك بتخفيض نسبة القروض إلى الإيداعات، إلى خفض الأموال التي تضخ في الاقتصاد، وهو ما من شأنه أن يساعد على الحد من أعباء وضغوط التضخم. لكن أسعار الفائدة تظل، بشكل أو بآخر أفضل وأنجع طريقة للسيطرة على التضخم، بدلاً من لجوء البنوك وبكل بساطة إلى تخفيض نسبة القروض إلى الإيداعات. كما أن الأداء الصحيح للأسواق مهم في مكافحة التضخم، ولهذا يعد قانون المنافسة الذي تمت المصادقة عليه قبل عدة سنوات في المملكة، بمثابة الوسيلة القانونية الأنسب التي يتم اعتمادها لمكافحة التضخم.