أوضحت دراسة حديثة أن الجهاز الإداري للدولة اليمنية لا يزال غير قادر على الوفاء بمهامه ووظائفه بما يلبي حاجات ومتطلبات المجتمع المتعددة والمتنوعة ولا يعبر عن احتياجات المجتمع الواقعية.وذكرت الدراسة التي أعدها الأستاذ بكلية العلوم الإدارية بجامعة تعز (د.محمد علي قحطان) أن هذا الجهاز الإداري للدولة "أداؤه ليس فقط غير كفوء وغير فاعل بل يعد إحدى المعوقات الأساسية لعملية الإصلاح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة ووضعه الحالي يؤثر سلباً على أداء وكفاءة الأجهزة والمؤسسات المجتمعية الأخرى".وأشارت الدراسة إلى أن الجهاز ذاته ليست لديه القدرة على مجاراة تطورات العصر ومتغيراته المتسارعة في مختلف المجالات وما يترتب على ذلك من مهام لازمة للتوجه نحو اقتصاد العولمة وحرية انسياب السلع والخدمات ورؤوس الأموال بين دول العالم بدون حواجز وقيود، منوهة إلى أن هناك إهدار وضياع للكثير مما هو متاح للدولة من الإمكانيات عبر قنوات وصور عدة للفساد.وفيما أكدت أن برنامج الإصلاح الذي بدأ تنفيذه في اليمن عام 1995م ثم تركيزه على الجانب الاقتصادي مع إغفال الجانب الإداري ما أدى إلى بروز مشاكل عديدة أهمها تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة وسوء الأحوال المعيشية للسكان والانتشار الواسع لجملة من مظاهر الفساد الإداري والمالي عقمت الاختلالات وشكلت موانع قوية تعطل كل محاولات الإصلاح، اعتبرت الدراسة أن نجاح الدولة في تطبيق برامج الإصلاح الإداري والانتقال الحقيق لنظام اللامركزية الإدارية وتوسيع المشاركة الشعبية والتطبيق الفعلي الصحيح لقانون السلطة المحلية متوقف على جملة من الإجراءات ينبغي الأخذ بها.وأضاف معد الدراسة موضحاً طبيعة تلك الإجراءات "في جميع البرامج العامة للحكومة منذ قيام دولة الوحدة عام 1990م يتم التأكيد على إعادة الهيكلة التنظيمية لأجهزة الدولة"، واستدرك "لكن لا نرى على الواقع ترجمة صحيحة لهذا التوجه بالرغم من أهميته واعتباره خطوة أساسية لمعالجة كل الاختلالات الإدارية التي من الممكن أن تلعب دوراً أساسياً في السيطرة الثامنة على منابع وبؤر الفساد".ويتابع "وفي رأينا أن السبب في ذلك يعود إلى ندرة وجود القيادات الإدارية المؤهلة والمؤمنة بضرورة الإصلاح في مواقع السلطة العليا ذات العلاقة بمجال الإصلاحات الإدارية وبناء على ذلك نعتقد أن العودة لنقطة بناء صحيح للهيكل الإداري والتنظيمي للدولة محور ارتكاز أساسي لجميع برامج الإصلاح ومنها الانتقال لنظام اللامركزية والمشاركة الشعبية".الدراسة التي قدمها الباحث لندوة قضايا الإصلاح الاقتصادي والتنمية في اليمن ونظمها في بيروت المركز العربي للدراسات الإستراتيجية واللجنة الاقتصادية الاجتماعية للأمم المتحدة بغرب آسيا.أوضحت أن من أبرز سمات الإدارة الحكومية في اليمن المركزية المفرطة حيث جميع الصلاحيات الإدارية لا زالت في قبضة أعلى مستويات الهرم التنظيمي للدولة ما حصر أمر اتخاذ القرارات وتصريف شئون البلاد في مركز الدولة بالعاصمة صنعاء وبالتالي خلق سلسلة من الإجراءات المطولة معها يبدد الكثير من الوقت والإمكانيات مع وجود مستوى هابط للغاية في الإدارة وتراكم هائل لمشاكل وقضايا المجتمعات المحلية ما يربك الحياة ويقضي على الكثير مما هو متاح من القدرات والإمكانيات ويحول دون تحقيق هدف الوصول إلى مستوى أفضل لحياة السكان.وأشارت الدراسة إلى سمات أخرى منها بناء تنظيمي قائم على أسس قانونية وتشريعية ملزمة وغير مدروسة ونظم إدارية ثابتة وغير مرنة إلى جانب وجود "هياكل إدارية متضخمة ووزارات وهيئات ومؤسسات...الخ" وتضخم الجهاز الإداري للدولة بنسبة 82% خلال الفترة (1990- 1995م) واستمرت سياسية التوظيف ليصل أعداد العاملين في عام 2004م 474ألف بزيادة وصلت نسبتها إلى 148% خلال الفترة (1990- 2004م).ويرى معد الدراسة أن لذلك التضخم الوظيفي عوامل كثير أبرزها ثنائية الأجهزة التي كانت قائمة في شطري البلاد قبل الوحدة وأدى إلى تكرار أجهزة إدارية بتسميات مختلفة ما خلق نوعاً من الإزدواحية وتضارب الصلاحيات بين هذه الأجهزة.وأضاف "كما أن عملية توحيد الهيئات والمؤسسات والأجهزة بقوامها رافقة أيضاً نشوء وحدات إدارية جديدة في إطار هذه الأجهزة بهدف استيعاب الكادر القيادي والإداري في كلا الشطرين وإخماد الخلافات السياسية بواسطة ترتيب أوضاع وظيفية والذي انعكس بصورة سلبية عديدة على الجهاز الإداري للدولة وفاقم من مشكلاته".سمات أخرى للإدارة الحكومية في اليمن ويراها الباحث منها غياب القواعد والأسس الإدارية السليمة المحددة للاختيار والتعيين في الوظائف القيادية وغير القيادية واعتبار توفير وظائف من دون حاجة وتفعيل وظائف قيادية لأغراض سياسية أو اجتماعية والتمسك بالمفاهيم التقليدية للإدارة والهدر والاستخدام المفرط للموارد والإمكانيات المتاحة بسبب توظيف الكثير من القدرات والطاقات التشغيلية لتلبية حاجات شخصية أو حزبية للقادة الإداريين.بالإضافة إلى غياب أسس ومعايير قياس الأداء وبالتالي ضعف أداء مهام المتابعة والتقييم والرقابة ما أفرغ الأجهزة الإدارية من أي إجراء جاد يتعلق بالمحاسبة الإدارية لم يستحقها.