لماذا تنخفض جداً إنتاجية العامل الخليجي؟

أجرت منظمة العمل العربية أخيرا دراسة جادة حول قضايا البطالة وإنتاجية العامل العربي، فجاءت الدراسة ـ للأسف ـ على غير ما تشتهي وتتمنى المنظمة العربية، لأنها أوضحت أن إنتاجية العامل العربي منخفضة للغاية مقارنة مع غيره من العمالة في الأسواق العالمية والأسواق الآسيوية، وفي هذا السياق كشف أيضاً تقرير التنافسية العالمية أخيرا عن تدهور إنتاجية العامل العربي الذي بلغ المركز الـ 130 من أصل 131 دولة.
إن إنتاجية العامل في الاتحاد الأوروبي تقدر بـ 8.5 من عشرة، كما أن إنتاجية العامل في الولايات المتحدة تناطح الـ 7.4 من عشرة ، كما تسجل إنتاجية العاملين الباكستاني والبنجالي نحو 4.5، أمًا العامل العربي فتنحدر إلى نحو 2.5 من عشرة. والظاهرة الجديدة في مصر وهي الدولة التي بلغت 80 مليون نسمة والتي ترتفع فيها معدلات البطالة بالذات بين الشباب.. هي اتجاه المصانع المصرية إلى تسريح العمال المصريين لانخفاض إنتاجيتهم، والتوجه نحو استقدام العمالة من بنجلاديش والهند أسوة بما هو حاصل في دول الخليج.
إن انخفاض إنتاجية العامل العربي مع غياب العمالة الماهرة في الأسواق العربية، أدىبالضرورة إلى زيادة معدلات البطالة، وزيادة البطالة ـ كما نعلم ـ تؤدى إلى انخفاض ملحوظ في معدلات جودة الإنتاج، وإذا انخفضت معدلات جودة الإنتاج في الأسواق العربية، فسوف تبتعد كثيراً عن التنافسية الدولية.
وهكذا يصبح وضع العامل العربي في موقف حرج مقارنة بالعمال في كل دول العالم، الأسخم من ذلك أن العامل الخليجي في وضع أكثر حرجاً، وبالذات حينما يقارن مع نظيره العامل الآسيوي في الأسواق الخليجية.
ولذلك يلاحظ في أسواق العمل الخليجية أن الطلب على العامل الآسيوي مرتفع جداً في مقابل انخفاض الطلب بشكل هائل على العامل الخليجي، ولذلك فشلت جداً كل سياسات "الخلجنـة" التي ما فتئت تنادي بإحلال العامل الخليجي محل العامل الآسيوي، والخوف أن تصبح هذه الظاهرة في المستقبل سـمة دائمة في الأسواق الخليجية.
وفى علم الاقتصاد الحديث فإن الاقتصاديين الجدد يقولون إن هناك تكلفة للبطالة تماماً كتكلفة العمل، ويأخذ البنك الدولي بهذا الحساب، وتشير أحدث الدراسات التي أجرتها الجامعة الأمريكية في بيروت مع معهد بروكينجز الأمريكي إلى أن خسائر بطالة الشباب في العالم العربي بلغت سنوياً 25 مليار دولار، وتتصدر المغرب القائمة بخسارة 7.7 مليار دولار وتليها الجزائر بخسارة 5.6 مليار دولار، ثم مصر بخسارة 4.6 مليار دولار سنوياً.
وإذا كانت إنتاجية العامل الخليجي منخفضة في القطاع الخاص، فإنها الأسوأ في القطاع الحكومي الذي يتميز بالتضخم الوظيفي ويزداد فيه التهرب والغياب والانشغال بقضايا لا تمت إلى العمل بأي صلة، بل تشير بعض الدراسات التي صدرت في دول الخليج إلى أكثر من هذا، فقد أصدر الأكاديمي الزميل الدكتور أسامة عبد الرحمن كتاباً قال فيه إن مشاريع التنمية التي يتشدق بها الخليجيون لم يصنعها الإنسان الخليجي، وإنما هي صناعة آسيوية بناها العامل الآسيوي، ويتندر الدكتور أسامة ويقول إن القهوة الخليجية التي ترتبط بالمزاج الخليجي الخاص لم يعد يصنعها الإنسان الخليجي لأنه أوكل صناعتها إلى العامل البنجالي أو حتى الفلبينى.
إن علماء الموارد البشرية يطلقون على العمالة الماهرة والمدربة، الثروة القومية التي لا تنضب، أي أن الإنسان الذي يتميز بمهارات نادرة وإنتاجية عالية، هو المورد الأعلى والأثمن حتى من الثروات الطبيعية كالذهب بشكليه الأسود والأصفر، ولذلك فإن دولاً كثيرة تعتمد في إيراداتها القومية على تصدير العمالة المدربة لزيادة عائداتها وزيادة مواردها المالية.
إن ملف العمالة والإنتاجية والأجور والإدارة في الخليج، يجب أن تعاد دراسته بأسلوب علمي جاد على أساس ربط الأجر بالإنتاجية، ولا تترك الإنتاجية بعيداً عن الأجر، ولا الأجر بعيداً عن الإنتاجية، لأنه ثبت أن الأجور العالية والبعيدة عن الإنتاجية هي السبب الرئيس الذي أدى إلى الإتكالية والكسل وغياب المسؤولية والهروب من العمل والغياب والفساد بكل أشكاله وألوانه.
وللأسف فإن المؤسسات الإدارية في دول الخليج أتخمت حتى امتلأت بأمراض التضخم الوظيفي، ورفعت معدلات البطالة المقنعة إلى أعلى المستويات، وأصبحت تنتشر فيها أمية التدريب بين الموظفين بشكل فرغ الوظيفة من محتواها العملي.
إننا يجب أن نعيد النظر في المناهج التدريبية والتعليمية، ونعطي للتدريب المتخصص القائم على التكنولوجيا المتقدمة جرعات أكبر بشكل يجعل للعمل قيمة عالية عند الإنسان الخليجي.