كثيرة هي الحالات البشرية التي وقعت ، أو بالأحرى أوقعت ذاتها ، فريسة للـ"أنا" المتضخمة، وهي بالطبع حالات مأزومة نفسياً ؛ تنظر إلى الآخر نظرة ترفع وهيمنة , هدفها , في الغالب , تحقيق مصالح ومآرب ذاتية , سواء كانت منافع مادية أو سلطة وجاه , مستخدمة للوصول إلى غاياتها وسائل وأساليب لا تراعي الأعراف ولا الأطر القانونية التي تحكم المجتمع وتنظم حراكه . ولا شك أن الممارسات والأفعال التي تصدر عن أشخاص هذه الـ"أنا" تشكل في أغلبها خرقاً لنظام الأنسنة وأخلاقياتها وتعدياً على الضوابط والتشريعات التي وضعت من أجل ترويض الغرائز والحفاظ على الحقوق وضمان أداء الواجبات المناطة ببني البشر ؛ كل في إطار حقله الوظيفي وضمن ما تتيحه له قدراته وتوجبه عليه التزاماته . في أحيان كثيرة ينتج عن تضخم الـ"أنا" حدوث مشاكل تأخذ أبعاداً متباينة ، يصل بعضها إلى درجة الخطورة ، مما يشكل عائقاً , سواء بشكل مباشر أو غير مباشر , أمام عجلة النمو الحضاري والتطور المجتمعي الذي ننشده جميعا. لقد ذكرت زوجة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الفرنسية الأصل سوزان في كتاب لها بعنوان (معه) تتحدث فيه عن محطات من حياتها هي والأديب الكبير أنها ذهبت ذات يوم مع زوجها إلى محل تصوير في القاهرة لالتقاط عدد من الصور الشخصية له , إلا أنها ما لبثت بعد عودتها إلى المنزل وأن اكتشفت أن الحقيبة التي وضعت بداخلها الصور قد سرقت , وبعد أيام قليلة تلقت رسالة من مجهول يخبرها فيها بأنه أخذ المبلغ النقدي والمجوهرات التي كانت في الحقيبة ويعيد إليها مع الرسالة مستنداتها وأوراقها الثبوتية , كما يبلغها في الرسالة , بأنه وبعد أن عرف أن الحقيبة تخص زوجة الدكتور طه حسين , يستأذنها بالاحتفاظ بإحدى صوره ليكبرها ويعلقها على جدار منزله , مباهياً بها أهل (حتته) بأنه يمتلك في بيته صورة لعميد الأدب العربي !من خلال هذه المحادثة يتضح جلياً أن الـ"أنا" حين تستحوذ على إنسان ما تجرده من أبسط قيمه الإنسانية , وتجعل همه وضع يده على ما ليس له حق فيه , مستخدماً أسوأ الأساليب وأكثرها ابتذالاً للإيقاع بضحيته .